19 - 07 - 2024

الخليج.. معادلة سيف الحاكم وذهبه.. لا سياسة لا أحزاب ولا صوت يعلو

الخليج.. معادلة سيف الحاكم وذهبه.. لا سياسة لا أحزاب ولا صوت يعلو

الإمارات الأكثر تطورًا دون أحزاب أو انتخابات

وسط ثورات وتقلبات تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ أوائل عام 2011 وحتى الآن، نجحت دول الخليج الستة: السعودية وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان أن تنأى بنفسها عن أي تحركات أو تغييرات في نظم الحكم لديها، وظلت تحت قبضة ملوكها وأمرائها، الذين تحاشوا غضبات محدودة لمحكوميهم، حتى وإن شابت تلك القبضة فترات من الشد والجذب بين الحكام والصف التالي لهم من الأمراء.

وفي محاولة من حكام دول الخليج لمنع امتداد ثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس مطلع 2011 إليها مرورا بمصر وسوريا، عمل حكامها على مساندة بعض الأطراف ضد الأخرى وفقا لمصالحها كما حدث في الأولى والثانية، وكذلك إشعال الصراعات في دول أخرى حماية لأمنها كما حدث في اليمن وسوريا. ناهيك عن مبادرتهم بوأد أي أصوات تطالب بفتح الباب لمزيد من الحريات أسوة بما يحدث في دول الربيع العربي وذلك باستخدام عصا الأمن الغليظة والأحكام القضائية الجاهزة تحت ذريعة العمل على قلب نظام الحكم وهو النموذج الذي حدث في الإمارات بشكل خاص. 

فقد سعت مجموعة من المثقفين والأكاديميين الإماراتيين في ظل حالة الحراك السياسي في المنطقة خلال ثورات الربيع العربي إلى الاستفادة من هذا الحراك عبر المطالبة، بشكل لا يتنافى مع التقاليد والقواعد المرعية في دول الخليج، بمنح بعض الحريات من خلال السماح بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الإماراتي والسماح لهذا المجلس بمراقبة أداء الحكومة، فلم يلبث هؤلاء إلا قليلاً حتى انقلبت عليهم السلطات الإماراتية وقامت بملاحقتهم جميعاً فمنهم من تم اعتقاله وتم الحكم عليه بمدد تتراوح بين 10 و15 عاماً بتهم الانضمام إلى جماعة محظورة وهي الإخوان المسلمين والعمل على قلب نظام الحكم، ومنهم من فر ليلحق بركاب المغضوب عليهم والملاحقين من قبل النظام الإماراتي، ومنهم من تراجع وأبدى الندم على ما بدر منه. 

ولم يتهاون النظم الإماراتي مع هذه الدعوات خوفاً من أن تكون بداية لسلسلة من المطالبات تنتهي بإنهاء حكم آل نهيان لإحدى أغنى دول منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام، فبادر بنزع جذورها قبل أن تستفحل، ولم يكتف هذا النظام الأمني العتيد بذلك، بل سارع بتشويه كل صور التحرر في المنطقة العربية وسخر كافة أجهزته الإعلامية والأمنية والمالية في وسم ثورات الربيع العربي بكافة الأوصاف المخيفة والتي تتهمها بالعمالة والخضوع للإملات الخارجية لمصلحة إثارة القلائل والنزاعات والفتن في دول المنطقة، حتى نجحت في إيقاف مد حركة التحرر من الأنظمة التي طالما جثمت على صدور الشعوب العربية وحولتها خلال عقود إلى خواء لا حول له ولا قوة.

وتتمتع دول الخليج الستة بثروة نفطية هائلة ظهرت بالسعودية أولا في ثلاثينيات القرن الماضي، ساهمت بشكل بارز في رفع مستوى دخول أفرادها على مدار عقود، والذي كان المقابل الأبرز للزج بهم خارج دائرة المطالبة بحقوق سياسية أو حتى مجرد التفكير فيها، وتبعتها الدول الخمسة التي تعتمد حتى الآن على تصدير النفط، والتي تغيب فيها البرلمانات بشكلها المعروف أو حتى الأحزاب السياسية، التي تحظرها دساتير تلك الدول بشكل صريح، فضلا عن أوضاع حقوق الإنسان التي تعكسها المراكز المتأخرة لدول الخليج ضمن دول العالم.

كما تشترك دول الخليج في وجود القوات الأمريكية بها قرب مصادر النفط، حيث مقر القيادة المركزية الأمريكية بقاعدة "العيديد" في قطر، وقاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض، ومقر قيادة الأسطول الخامس بالبحرين، وقاعدة "معسكر الدوحة" بالكويت، وقاعدة "مصيرة" الجوية بعمان، و"الظفرة" بالإمارات، إضافة لحوالي 50 ألف جندي بالعراق.

لا برلمانات.. لا حريات

لا وجود للحريات السياسية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بدول الخليج الغنية بالنفط، حيث تُمنع الأحزاب السياسية والنقابات المهنية بالسعودية وعمان وقطر والإمارات، فيما يتشكل بالبحرين مجلسان أحدهما للنواب بالانتخاب والثاني للشورى، الذي يعين من قبل الملك، الذي تكون السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيده، ويتكون كل مجلس من 40 عضواً، وتشهد الكويت سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية لكن كلها تحت سيطرة أميرها، ورغم ذلك لا يسمح بحسب الدستور بتشكيل أحزاب رغم وجود الكتل النيابية. 

وقد عملت دول الخليج على تجريم أي مظاهرات أو احتجاجات بقوة القانون، كما حدث بالمملكة العربية السعودية بعد احتجاجات عامي 2011 و2013، وبسلطنة عمان عامي 2011 و2012، عندما شهدت معظم المدن الكبرى احتجاجات سلمية قام بها عُمانيون يطالبون برواتب أعلى، وظروف معيشية أفضل، وإجراء إصلاحات سياسية جوهرية، ووضع حدّ للفساد.

وردت السطات في عمان وقتها، بمزيج من المبادرات الاقتصادية، وإقالة بعض كبار المسؤولين، واحتجاز النشطاء السلميين. ومنذ العام 2012، أصبحت التدابير القمعية أكثر وضوحاً، حيث تم توظيف استثمارات جديدة في القطاع الأمني، وشُنّت حملات على الأصوات المعترضة.

مستوى الدخول الأعلى في العالم

تحتل دول الخليج مراكز متقدمة بقائمة الدول الأكثر دخولا لأفرادها في العالم، نظرا لما تتمتع به من صادرات نفطية كبيرة منذ عقود، وقلة عدد سكانها بالنظر لباقي الدول العربية البعيدة عن الخليج.

وبالنظر لآخر إحصائيات البنك الدولي الخاصة بالدول التي يزيد دخول أفرادها عن 45 ألف دولار سنويًا، تأتي قطر على رأس دول العالم في دخل الفرد بواقع 129 ألف دولار سنويا، فيما تأتي الإمارات في المركز الثامن بواقع 69 ألف دولار، والكويت تاسعًا بواقع 67 ألف دولار، والسعودية في المركز الخامس عشر بـ56 ألف دولار، ما يعكس مستوى المعيشة المرتفع لمواطني الخليج وعدم التفاتهم بشكل كبير للحقوق السياسية أو البرلمانية.

وتحافظ دول الخليج على علاقات وشراكات قوية مع الدول الغربية، سواء اقتصادية أو عسكرية، إضافة لثبات الرؤى والمواقف مع الدول الغربية بقضايا محاربة الإرهاب، وضرورة درأ الخطر الإيراني على المنطقة، فضلا عن قوات الخليج المشاركة في محاربة الحوثيين باليمن، ودعم السعودية للولايات المتحدة الأمريكية في موقفهما تجاه الأزمة السورية.

وتبرم دول الخليج وعلى رأسها السعودية اتفاقيات عسكرية مع دول الغرب أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية بمليارات الدولارات، تؤمن لها الحماية الدولية من أي انتقادات أو أحكام جنائية قد تطال أمراءها في أي مكان، كان آخرها بقمة الرياض مايو 2017 خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، وتوقيعه اتفاقيات عسكرية بقيمة 410 مليارات دولار.

كما تعول المملكة على علاقاتها الدولية المتشعبة في الحصانة ضد أي عقوبات خاصة باختفاء الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي أعلن الأمن التركي عن اختفائه داخل قنصلية المملكة بأنقرة، وتزعم تسريبات قتله وإخفاء جثته بواسطة فريق من الأمن السعودي، تم استقدامه خصيصا لتركيا لتنفيذ المهمة.